موسيقى الراي التي لا يعرفها المشرق العربي
في مطلع التسعينات، بث التلفزيون المصري عدد من أغاني الفيديو كليب، كنوع من الأحتفال برأس العام، علي رأسها أغنية لمطرب جزائري عرفناه وقتها بالشاب "خالد دي دي"، مازلت اتذكر كيف رقصنا مع الكليب في حفلة رأس السنة، ونحن لا نعرف كبارا وصغارا كلمة واحدة من الأغنية، حتي ان اغلب معارفي لا يعلمون معني "دي دي" الي يومنا هذا اصلا!
لم يشكل معني الكلمات اي مشكلة، الايقاع كان كافيا، ابهار الفيديو كليب وقتها براقصاته وشكل "خالد دي دي" نفسه (بالحلق وديل الحصان الصغير جدا) وقتها كان كفيلا ان يشكل موجة جديدة من الموسيقى، يتابعها المصريين والمشارقة، كمنتج جزائري حديث.
وبالرغم من فقر المصادرالموسيقية وقتها الا ان برامج مثل "بانوراما فرنسية" وتسرب البومهم للأسواق ساعدت علي معرفة وجوه أخري للراي ميزناهم وقتها كأصدقاء "للشاب خالد دي دي"، انهم "فضيل ورشيد طه" وتعاونهم الفني مع خالد في 1,2,3Soleils (واحد، اثنان، ثلاثة شموس)، حتي انه ساد اعتقاد وقتها انها فرقة وليست مجموعة من التسجيلات والعروض الحية المشتركة.
وبالرغم من انتشار مصطلح "موسيقى الراي" في المشرق، الا انها ظلت مبهمة غير معروفة الأصول، ومع إرتفاع شعبية عدد من المغنيين، اصبح الراي بالنسبة للمشرق، هو هذه المجموعة وهذه الأسماء التي سيضاف اليها في وقت لاحق الشاب مامي.
ترجع أصول "موسيقى الراي"، الي الغناء البدوي الجزائري القديم، التي تغني بها "الشيوخ" بلغة شعبية بسيطة، ليتناولوا مواضيع اجتماعية من الحياة اليومية، والمعاناة مع المستعمر. والتي حاولت نقل الحكمة مختلطة بالمديح الديني وصراعات الحياة اليومية العادية، وترجع الكلمة في الأصل الي "الرأي" كوسيلة للتعبيل عن رأي الفنان في القضايا المعاصرة.
من بلعباس الي تلمسان ثم الي وهران تنقل "الراي" وتطور الي ان وصل الي مرحلة "الشيخة ريميتي" والشاب "دريسي العباسي" صاحب اغنية "خالتي فاطمة" الشهيرة.
وبعد استقلال الجزائر، اصبح الراي فنا ممنوعا، نظرا لمحتواه من الكلمات التي لا تصلح لدخول المنازل والبيوت، الا انه سرعان ما سيتطور علي مستوي الكلمة واللحن ويضاف له العديد من الألات الموسيقية الحديثة التي ستساعد فيما بعد لوصوله للعالمية، والتأثير في انماط الموسيقى الأوروبية، بل وستتكون الفرق الموسيقية في اوروبا لتغني "موسيقى الراي " مثل فرقة "زبدة" المعروفة من مدينة تولوز الفرنسية، والتي كانت لأغانيها طابع النقد السياسي والأجتماعي مستخدمة نمط موسيقى الراي والريغي.
واجهت موسيقى وفنانو الراي تحديات كبيرة ومتنوعة خلال مسيرة هذا الفن الي يومنا هذا، بداية من الصراع الثقافي نفسه حول تطوير الموروث الشعبي التقليدي، وتحويله الي منتج خفيف تجاري حديث، ثم الصراع مع الدولة نفسها للأعتراف بهذا الفن التي انتهت بأقامة اول مهرجان لموسيقى الراي عام 1985، ثم صراعاته مع الجماعات الأسلامية المتطرفة التي قامت بعدد من الأغتيالات وصلت لأكثر من سبع اغتيالات لفنانين مشاهير في تاريخ الراي مثل "الشاب حسني" و "رشيد بابا أحمد".
في المساحة القادمة سأحاول تقديم مجموعة من الأسماء اللامعة في عالم "موسيقى الراي" التي لا نعرفها في المشرق العربي، مجموعة من الأسماء القديمة التي ساهمت في بناء موسيقى الراي، ومجموعة من الاسماء المعاصرة التي تعتبر علي قمة موسيقى الراي في المغرب العربي حاليا، بعيدة عن قائمة الأسماء المعروفة والمحدودة جدا، التي نعرفها لسيطرتها علي الراي خارج الجزائر، والتي احتكرت "موسيقى الراي" في الوطن العربي والعالم.
رشيد بابا أحمد..صانع النجوم المغتال
في اغلب فيديوهات الراي التي يصنعها الجمهور، ويكون محتواها في اغلب الأوقات من الصور القدي لنجوم الراي، ستجد شابا يشارك النجوم في كل صورهم القديمة، يشبه "كاسترو" بذقنه وملابسه وهيئته، انه "رشيد بابا" الرجل المتعدد المواهب الذي جاء من تلمسان الي وهران وراء تحقيق احلامه الفنية. كان رشيد مغنيا وشاعرا وموسيقى وناشر للكتب، ثم منتجا للفيديو كليب للتلفزيون، والذي قدم نجوما مثل "الشاب خالد" و"الشاب أنور" وفضيلة وصحراوي وغيرهم. رحل رشيد علي اثر جريمة اغتيال من طرف الجماعات الأسلامية المتطرفة في عام 1995 وترك وراءه نجوما اكملوا مسيرتهم في موسيقى الراي.
الشيخة ريميتي .. الراي الأصيل
لا استطيع في هذه المساحة الصغيرة، ان اكتب عن فنانة بحجم الشيخة ريمتي، بمسيرة فنية طويلة من الأفراح الشعبية، والملاهي الليلية، وأكثر من 400 البوم كاسيت و300 اسطوانة، تتربع "الشيخة ريمتي" علي عرش الراي الأصيل، والمدرسة الأولي التي نقلت الراي من الطريقة البدوية الي طريقة اكثر عامية، لدي الجمهور الجزائري، حتي جاء فناني الراي الحديث من بعدها، ليعملوا علي اعادة انتاج اغانيها بمصاحبة الألات الموسيقية الحديثة، ستتعجب من عدد الأغاني التي تعرفها للشاب خالد، مامي، فضيل، رشيد .. التي هي في الأصل أغاني للشيخة ريميتي، مما دفعها في نهاية حياتها الي استخدام الألات الموسيقية الحديثة، وقامت بتطوير الألحان والقيام بالعديد من التجارب الفنية مع فرق عالمية، حيث قالت في احد التصريحات "لقد استفادوا مني لنشر موسيقى الراي، لكن موسيقاهم ليست أصيلة. قلت لنفسي، لأنكم تستغلونني سوف أرد عليكم بأسلحتكم، بالموسيقى الأمريكية. وهكذا تخطيتهم بأميال".
الشاب حسني .. عندليب الراي
علي سرير احد المستشفيات، بعد اصابته في مباراة لكرة القدم بدوري الدرجة الثانية الجزائري، قرر "الشاب حسني" ان يعتزل كرة القدم نهائيا ويتجه لغناء الراي، بعد مسيرة قصيرة في السهرات والأفراح، ذاع صيت "حسني" واشتهر باللون العاطفي والرومانسي، وسرعان ما حطم كل الأرقام واصبح علي قمة موسيقى الراي في الجزائر، كنجم ذهبي يدر المكاسب للمنتجين.
كان "الشاب حسني" مفعم بالطاقة يسابق الزمن وكأنه يعلم المستقبل، فقد كان يسجل البوما كل شهر تقريبا وفي بعض الأحيان كل اسبوع، وهذا سر انتاجه الكبير بالرغم من مسيرةته الفنية القصيرة جدا، ليحقق أعلي المبيعات التي وصلت لأرقام خيالية مثل البوم "البيضا مون امور" الذي باع أكثر من مئة مليون نسخة!
وفي اواخر عام 1994 أغتيل "عندليب الراي" علي يد الجماعات الاسلامية المتطرفة، ولا يزال قتله موضوع غامض غير معلوم التفاصيل الي يومنا هذا.
الشاب عقيل .. الوسيم الذي رحل سريعا
عبد القادر عقيل، او المعروف "بالشاب عقيل"، واحد من اصوات الراي الدافئة، التي اختارت مسار اغنية الراي العاطفية الحديثة، ولد "عقيل" في مدينة "خميس مليانة" الجزائرية لعائلة فقيرة، ولكن سرعان ما لفتت موهبته الأنظار ليصدر اول البوم له في عمر الثالثة عشر، والذي كان عبارة عن اعادة انتاج لمجموعة من اغاني الراي المعروفة، واحترف "عقيل" الغناء في الحفلات والأفراح، الي ان اصدر البومه الأول عام 2009، والذي ساعد علي انتشار شعبية فنان الراي المعروف بحبه واجادتة العزف علي أله "الطبلة"، وفي ذروة نجاحه الفني وفي طريقة لمدينة طنجة المغربية لأحياء احد الحفلات، توفي "عقيل" متأثرا بجروحه الخطيرة بعد حادث مروع عام 2013 ليرحل بفاجعة وصدمة لكل محبيه.
الشاب انور .. الطفل وسط العمالقة
ان كنت من عشاق "الشاب خالد" او متابعة اغاني الراي علي موقع يوتيوب، فبالتأكيد اقترح عليك الموقع في قائمته الجانبية، فيديو بالأبيض والأسود لطفل يغني، وتحمل الفيديوهات عناوين رنانة من نوعية "المعجزة" مثلا، انه الشاب انور مواليد 74 والذي بدأ الغناء صغيرا وذاع صيته في اواخر السبعينات وأوائل التسعينات، حيث قدم أغاني منفردة عديدة، اغلبها من انتاج "رشيد بابا أحمد" الذي يعتبره رفيق واخ أكبر، والذي قدم له من انتاجه ايضا أغنية مشتركة جمعت الشاب انور مع الشاب خالد حيث لاقت نجاحا كبيرا وقتها، لم يحظي "الشاب أنور" بنفس المكانة والنجومية والنجاح وهو رجل ناضج وقل انتاجه وخفت نجمه، بالرغم من محاولاته العديدة للرجوع بأعمال فنية.
الشابة فضيلة والشاب صحراوي
ثنائي اسطوري في تاريخ موسيقى الراي، هو من تلمسان وهي من وهران، جمعهما حب الراي، ثم الزواج الذي جمعهما منذ بداية السبعينات وحتي نهاية التسعينات، عملوا فيها سويا كثنائي موسيقى انتج العديد من الأغاني والجولات الفنية الناجحة، أشهرها في المشرق العربي أغنية "نسال فيك" التي يعتقد البعض اعتقادا خاطئا انه ديو للشاب خالد واحد المطربات، ويقال ان الشابة فضيلة اول مغنية راي في انتاج الفيديو كليب عام 1987 باغنية "ماعندي زهر معاك".
الشاب بلال .. المثير للجدل
بالرغم من هجرته لمارسيليا بعد بداية احترافه الغناء، الا انه ظل قريبا من جماهيره المغاربية، بلال هو بطل الطبقة الشعبية بلا منازع، ايقونة العالم السفلي للمغرب العربي، حتي ان بعضهم يحكي ان اغاني بلال هي المفضلة داخل السجون، وفي مجتمعات الجزائرين والمغاربة الذين يعيشون المعاناة في اوروبا، جمهور "بلال" يتعامل مع بلال كأخ أكبر في المعاناة، يستخدمون كلمات اغانيه في حياتهم اليومية، ويحضروا بالألاف في حفلاته سواء في اوروبا او في الجزائر والمغرب، بلال قصة نجاح وعلاقة مع جمهور معقدة للغاية، تماما مثل حياة بلال الغريبة والمثيرة للجدل، خاصة بعد ظهور قصة ابيه الذي لم يقابله طوال عشرين عام، ثم عادت علاقاهم بعد ظهور الأب اعلاميا.
رضا طلياني .. ملك الهيتس
من الممكن ان نعتبر "رضا طلياني" انه أخر المنضمين لمجموعة فناني الراي المعروفين في بلاد المشرق العربي، من خلال عدد من الأغاني التي حققت نجاحا ساحقا علي اليوتيوب، مثل اغنية "يا البابور" واغنية "فابيني" التي حققت ملايين المشاهدات واعاد انتاجها عدد كبير من الفنانين المغاربة.
والى اللقاء في الجزء الثاني.