شهادة محمد طارق عن تعذيبه من قوات الجيش


أشهد أن كل كلمة تمت كتابتها هنا حدثت بالفعل وبدون أي مبالغة ، بل والله هناك آلام عجز القلم عن ذكره 
لكنني أعتبرها توثيق مني لما حدث من عصر الأربعاء 9 مارس والذي تم فيه القبض علي بتهمة التصوير وحيازة موبايل وحتي ليلة الإفراج الأحد 13 مارس. 
الجزء الأول -
ذهبت في ظهر الأربعاء 9 مارس إلي حي "منشأة ناصر" لتغطية إحتجاجات الأقباط وحصر أعداد الموتي والمصابين، كنت أتنقل هناك ما بين الدير والكنيسة وآلام الأمهات الذين فقدوا أولادهم وذويهم وصراخهم الذي لم أحتمله من شدة الحزن - ليست دعاية للوحدة الوطنية ،وإنما مجرد الشعور بفقدان أشخاص دون سبب-.
في لحظة خروجي من المنطقة ترددت أنباء عن اأن هناك أشخاص قادمون من ميدان "السيدة عائشة" لقتل المعتصمين من الأقباط ، فحاولت الذهاب إلي السيدة عائشة في قلق وفزع خاشيا من أن تحدث كارثة، فوجأت بأن أهالي السيدة عائشة يقفون في الميدان متجمهرين حاملين الأسلحة ناظرين إلي نهاية الطريق، ولما سألتهم قالوا "المسيحيين عاوزين ينزلوا يحرقوا الجامع" ، فأندهشت من الأمر وحاولت أن أشرح لهم أنها إشاعات لإشعال الموضوع وأنني نزلت للتو من هناك ، لكن لم يستجيب أكثرهم.
قررت الرجوع إلي منطقة وسط البلد فهاتفني أشخاص كثيرين ليخبروني أن هناك أشياء غريبة تحدث في التحرير، فذهبت إلي الميدان سريعا ورأيت حالة من الهرج والمرج والفوضي وعمليات كر وفر من لا شئ ، وسمعت شخص يقول لأخر :
- بقولك إيه متصورش دلوقتي عشان اللي بيصور ده مش مننا، أنا عارفك عشان كده قولتلك وحبيت أوعيك.
ورأيت مجموعة تهتف " لأ.. لأ.. لأ.." ضد شخص يصور الأحداث من العمارة التي تأخذ ناصية شارع التحرير ومجموعة أخري تصعد إلي العمارة لتحضره.
فهاتفت زملائي في الموقع لأخبرهم بالأمر وحاولت أن ألتقط بعض الفيديوهات التي رأيت فيها عساكر الجيش وهي تقوم بسحل عشرات الأشخاص وضربهم مع بعض المدنين، ومسيرات تطوف الصينية مرددين "الشعب والجيش.. هينضفوا الميدان" رافعين عصي من الخشب والمعدن.
فجأة شعرت بخبطة قوية علي ظهري نظرت إلي يميني وإلي يساري فوجدت عساكر الجيش ، وإتجهوا بي إلي المتحف ورموني أمام البوابة لأتلقي تشريفة من أشخاص مدنين يقال أنهم "تحريات عسكرية" ، شعرت بحالة من عدم الفهم وصرخت فيهم :
- إنتوا إزاي بتضربوني قدام ظابط جيش ؟
فإستدعاني الظابط بداخل الممتحف وقالوا له "البيه بيصور"، فقلت له أنني أعمل صحفي ومقر عملي في شارع قصر النيل بجانب الميدان.
فسألني ،
- كنت بتصور ليه ؟
فأجبته،
- ده شغلي يا فندم.
فقال : شغلك ؟ !!
وركلني خارج البوابة والمتحف وقال لهم : وضبوه..
لم ألاحق من كم اللكمات التي أخذتها من العصي والسلوك التي كانوا يضربون بها في جميع أجزاء الجسم ودون أدني شعور فوضعت يدي علي وجهي حتي لا أصيب فيه ولكنهم ربطوا يدي من الخلف وبسطوني علي الأرض وإستمر التعذيب لأكثر من 6 ساعات متواصلة مابين الكهرباء والركل والدوس بالأقدام من عساكر وضباط جيش وشرطة عسكرية وتحريات عسكرية، لم يشعر بنا أحد غير عسكري الأمن الذي كان يخدم في المتحف بلبس أزرق ، كان يأتي إلينا بالماء وطلبت منه أن يفك يدي لأنها لم تحتمل الربطة فأستجاب.
وكان العساكر عندما تضرب تقول : قول ياض " الجيش والشعب إيد واحدة" ، قول.. فيرددوا الأسري ما يقول في ألم ورعب ، وأيضا "إرفع رأسك فوق إنت مصري" وعندما نرفع رؤوسنا نفاجأ بركل وجوهنا ، أضف إلي ذلك أن هناك أشخاص جردت من ملابسها أثناء الضرب وتم تعصيب العين لبعضهم.
والحق أن أقول أن غالبية الموجودين لم يهتزوا ولم يبكون فكانوا مشبعين بالإيمان برغم هول الموقف والفزع الغريب الذي أصابنا وكنت أسمع ترددات الشهادة وقراءة القرآن والدعاء أثناء الضرب.
في حوالي العاشرة وقفنا طابور وتم تفتيشنا وتكسير الموبايلات وتقطيع علب السجائر والبعض تم سرقة مبالغ مالية منه ، ملحوظة - اللي كانوا بيفتشوا هم أفراد التحريات العسكرية كما أطلق البعض عليهم – وصعدنا إلي أتوبيسات مكتوب عليها "هيئة القوات المسلحة".
ذهبنا في طريقنا إلي مبني خلف فندق تريانف لا أتذكر إسمه ونزلنا منه وأجلسونا علي الأرض ووضعوا أمامنا طاولة عريضة مليئة بالأسلحة البيضاء وأنابيب الغاز وزجاجات المولوتوف وتم تصويرنا بشكل مهين، فالدماء كانت تسيل من أجسادنا ووجوهنا وملابسنا ممزقة أضف إليها كم التراب الذي إمتصته.
أشتد البرد ساعتها وروحنا نرتعش بعد ما مفعول العلقة راح شوية وعدنا للأتوبيس مرة أخري لنفاجا أنهم نقلونا ل"سين 28" ، فرحت، وقلت أنهم سيطلقونا أخيرا غدا مثلما أطلقوا الذين أخذوهم من ميدان اللاظوغلي إثر محاولة إقتحام مبني أمن الدولة لحماية ممتلكاته.
نمنا في الأتوبيسات ولم نشعر بأنفسنا من قبل العلقة التمام اللي أخدناها والتي كلما كنا نريد الإحساس بالدفئ كنا نتذكرها.
إستيقظنا مبكرا فرأينا عربيات الترحيلات تأتي لتأخذنا فتوقعت أننا سنذهب إلي النيابة العسكرية وسينتهي الأمر ، ركبنا عربات الترحيلات ولفت بنا كثيرا إلي أن رأينا لافتة مكتوب عليها طريق مصر السويس ، وإستمرت في الطريق إلي أن شعرت بفزع الراكبين معي وخضتهم، فقمت لأنظر من الشباك فرأيت لافته مكتوب عليها "السجن الحربي".

المشاركات الشائعة